فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: كان بين آدم ونوح ألف سنة، وبين نوح وإبراهيم ألف سنة، وبين إبراهيم وموسى ألف سنة، وبين موسى وعيسى أربعمائة سنة، وبين عيسى ومحمد ستمائة سنة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش قال: كان بين موسى وعيسى ألف نبي.
وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال: كان عمر آدم ألف سنة. قال ابن عباس: وبين آدم وبين نوح ألف سنة، وبين نوح وإبراهيم ألف سنة، وبين إبراهيم وبين موسى سبعمائة سنة، وبين موسى وعيسى ألف وخمسمائة سنة، وبين عيسى ونبينا ستمائة سنة.
أخرج ابن المنذر عن وائل بن داود في قوله: {وكلم الله موسى تكليمًا} قال: مرارًا.
وأخرج ابن مردويه والطبراني عن عبد الجبار بن عبد الله قال: جاء رجل إلى أبي بكر بن عياش فقال: سمعت رجلًا يقرأ {وكلم الله موسى تكليمًا} فقال: ما قال هذا إلا كافر، قرأت على الأعمش، وقرأ الأعمش على يحيى بن وثاب، وقرأ يحيى بن وثاب على أبي عبد الرحمن السلمي، وقرأ أبو عبد الرحمن على علي بن أبي طالب، وقرأ علي على رسول الله صلى الله عليه وسلم {وكلم الله موسى تكليمًا} قال الهيثمي: ورجاله ثقات، غير أن عبد الجبار لم أعرفه والذي روى عن ابن عباس أحمد بن عبد الجبار بن ميمون وهو ضعيف.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن ثابت قال: لما مات موسى بن عمران جالت الملائكة في السموات بعضها إلى بعض، واضعي أيديهم على خدودهم ينادون مات موسى كليم الله، فأي الخلق لا يموت؟!. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله- عزَّ وجلَّ-: {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ} الجمهور على نَصْب رُسُلًا، وفيه ثلاثةُ أوجُه:
أحدها: أنَّه مَنْصُوب على الاشْتِغَالِ؛ لوجود شُرُوطِهِ، أيْ: وقَصَصْنا رُسُلًا.
قال القُرْطُبيُّ: ومثلهُ مما أنْشد سِيبَويْهِ: [المنسرح]
أصْبَحْتُ لا أحْمِلُ السِّلاحَ ولا ** أمْلِكُ رَأسَ البَعيرِ إنْ نَفَرَا

والذِّئْبَ أخْشَاهُ إنْ مَرَرْتُ بِهِ ** وَحْدِي وَأخْشَى الرِّيَاحَ والمَطَرَا

أي: وأخْشَى الذِّئْبَ، والمعنى على حَذْف مضاف، أي: قصصنَا أخبارَهُمْ، فيكون {قَدْ قَصَصْنَاهُمْ} لا محلَّ له؛ لأنه مفسِّرٌ لذلك العاملِ المضمَرِ، ويُقَوِّي هذا الوجه قراءةُ أبَيٍّ: {وَرُسُلٌ} بالرفع في الموضعين، والنصبُ هنا أرجحُ من الرفع؛ لأن العطف على جملة فعلية، وهي: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا}.
الثاني: أنه منصوب عطفًا على معنى {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إلى نُوحٍ}، أي: أرْسَلْنَا ونَبَّأنَا نُوحًا وَرُسُلًا، وعلى هذا فيكون {قَدْ قَصَصْنَاهُمْ} في محلَّ نصب؛ لأنه صفةٌ لـ {رُسُلًا}.
الثالث: أنه منصوب بإضمار فعلٍ، أي: وأرسلنا رُسُلًا؛ وذلك أنَّ الآية نزلَتْ رادَّة على اليهود في إنكارهم إرسال الرسل، وإنزالَ الوحْيٍ، كما حكى اللَّهُ عنهم في قوله: {مَا أَنزَلَ الله على بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ} [الأنعام: 91] والجملةٌ أيضًا في محل الصفة.
وقيل: نصب على حذف حر الجرِّ، والتقدير: كما أوحَيْنَا إلى نُوحٍ، وإلى رُسُل.
وقرأ أبيُّ: {وَرُسُلٌ} بالرفع في الموضعين، وفيه تخريجان:
أظهرهما: أنه مبتدأ وما بعده خبرُه، وجاز الابتداءُ هنا بالنكرةِ؛ لأحدِ شيئين: إمَّا العطفِ؛ كقوله: [البسيط]
عِنْدِي اصْطِبَارٌ وشَكْوَى عِنْدَ قَاتِلَتِي ** فَهَلْ بأعْجَبَ مِنْ هَذَا امرُؤٌ سَمِعَا

وإما التفصيل؛ كقوله: [المتقارب]
فَأقْبَلْتُ زَحْفًا على الرُّكْبَتَيْنِ ** فَثَوْبٌ لَبِسْتُ وَثَوْبٌ أجُرْ

وكقوله: [الطويل]
إذَا مَا بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْصَرَفَتْ لَهُ ** بِشِقٍّ وَشِقٌّ عِنْدَنَا لَمْ يُحَوَّلِ

والثاني- وإليه ذهب ابن عطيَّة-: أنه ارتفع على خبر ابتداء مضمر، أي: وهم رُسُلٌ، وهذا غير واضح، والجملة بعد رسُل على هذا الوجه تكونُ في محلِّ رفع؛ لوقوعها صفةً للنكرة قبلها.
قوله: {وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ} كالأول.
وقوله: {وَكَلَّمَ الله موسى} الجمهور على رفع الجلالة، وهي واضحةٌ.
و{تَكْلِيمًا} مصدرٌ مؤكد رافعٌ للمجاز.
قال الفرَّاء: العَرَبُ تُسَمِّي ما يُوصَلُ إلى الإنْسَانِ كلامًا بأيِّ طَرِيقٍ وَصَلَ ولكِنْ لا تُحَقِّقُه بالمصْدَرِ، فإذا حُقِّق بالمصْدَرِ، لم يَكُنْ إلاَّ حَقِيقَةَ الكلامِ؛ كالإرادَةِ، يُقال: أراد فُلانٌ إرادَةً، يريد: حَقيقةَ الإرَادَة.
قال القُرْطُبِي: {تَكْلِيمًا} يقدر مَعْنَاه بالتَّأكِيدِ، وهذا يَدُلُّ على بُطْلانِ قول من يقُولُ: خَلَق اللَّه لِنَفْسه كَلاَمًا في شَجَرةٍ، فَسَمِعَهُ مُوسَى- عليه السلام-، بل هو الكلامُ الحقيقيُّ الذي يكُون به المُتَكَلِّم مُتَكَلِّمًا.
قال النَّحَّاس: وأجمع النَّحوِيُّون على أنَّك إذا أكَّدْت الفِعْلَ بالمصْدَر، لم يَكُنْ مجازًا، وأنَّه لا يجُوزُ في قول الشاعر: [الرجز]
امْتَلأ الْحَوْضُ وقال قَطْنِي

أن يقول: قال قولًا فكذا لمَّا قال: {تَكْلِيمًا} وجَبَ أن يكُون كلامًا على الحَقِيقَةِ.
وقرأ إبْراهيم ويَحْيَى بن وَثَّاب: بنَصْبِ الجلالة.
وقال بعضُهُم: {وَكَلَّمَ الله موسى تَكْلِيمًا} معناه: وجَرَحَ اللَّهُ مُوسَى بأظْفَار المحن ومَخَالِب الفَتن، وهذا تَفْسِيرٌ بَاطِلٌ.
وقد جاء التأكيد بالمصدر في ترشيح المجاز؛ كقول هند بنت النعمانِ بن بشير في زوْجِها رَوْحِ بْنِ زِنْبَاعٍ وزيرِ عبد الملِكِ بْنِ مَرْوَانَ: [الطويل]
بَكَى الْخَزُّ مِنْ رَوْحٍ وأنْكَرَ جِلْدَهُ ** وَعَجَّتْ عَجِيجًا مِنْ جُذَامَ المَطَارِفُ

تقول: إنَّ زوْجَها رَوْحًا قد بكَى ثيابُ الخَزِّ مِنْ لُبْسِهِ؛ لأنه ليس من أهل الخَزِّ، وكذلك صرخَتْ صُرَاخًا من جُذَام- وهي قبيلة رَوحٍ- ثيابُ المطارِفِ، تعني: أنهم ليسوا من أهل تلك الثياب، فقولها: عَجَّتِ المَطَارِفُ مجازٌ؛ لأن الثياب لا تعجُّ، ثم رَشحَتْهُ بقوله عَجِيجًا، وقال ثَعْلَبٌ: لولا التأكيد بالمصدر، لجاز أن يكونَ كما تقول: كَلَّمْتُ لك فُلانًا، أي: أرسلْتُ إليه، أو كتبتُ له رُقْعةً. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (165):

قوله تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان معظم رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم بشارة ونذارة، قال مبينًا أنهم مثله في ذلك كما كانوا قبله في الوحي، لأن المقصود من الإرسال لجميع الرسل جمع الخلق بالبشارة والنذارة: {رسلًا} أي جعلناهم رسلًا، ويجوز أن يكون بدلًا من رسلًا الماضي، وأن يكون حالًا، حال كونهم {مبشرين ومنذرين} ثم علل ذلك بقوله: {لئلا يكون} أي لينتفي أن يوجد {للناس} أي نوع مَنْ فيه قوة النوس.
ولما كانت الحجة قد تطلق على مطلق العذر ولو كان مردودًا، عبّر بأداة الاستعلاء فقال: {على الله حجة} أي واجبة القبول على الملك الذي اختص بجميع صفات الكمال في أن لا يعذب عصاتهم؛ ولما كان المراد استغراق النفي لجميع الزمان المتعقب للإرسال أسقط الجار فقال: {بعد} أي انتفى ذلك انتفى مستغرقًا لجميع الزمان الذي يوجد بعد إرسال {الرسل} وتبليغهم للناس، وذلك على أن وجوب معرفته تعالى إنما يثبت بالسمع، وأما نفس المعرفة والنظر والتوحيد فطريقها العقل، فالمعرفة متلقاة من العقل، والوجوب متلقى من الشرع والنقل.
ولما كان ذلك ربما أوهم أنه ربما امتنع عليه قبل ذلك سبحانه أخذ بحجة أو غيرها، قال مزيلًا لذلك: {وكان الله} أي المستجمع لصفات العظمة {عزيزًا} أي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء، فهو قادر على ما طلبوه، ولكنه لا يجب عليه شيء، لأنه على سبيل اللجاج وهم غير معجزين {حكيمًا} أي يضع الأشياء في أتقن مواضعها، فلذلك رتب أمورًا لا يكون معها لأحد حجة ومن حكمته أنه لا يجيب المتعنت. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الثعلبي:

{رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} سمّى الله تعالى النبيين بهذين الاسمين، فقال: {كَانَ الناس أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ الله النبيين مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} [البقرة: 213] ثم سمّى المرسلين خاصة بهذا الإسم، فقال: {مبشرين ومنذرين} ثم سمّى نبينا خاصة بهذين الإسمين، فقال: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِّتُؤْمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ} [الفتح: 8- 9] {لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةُ بَعْدَ الرُّسُلِ} فيقول: ما أرسلت إلينا رسولًا فنتبع وما أنزلت علينا كتابًا. وقال في آية أخرى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أحد أغير من الله تعالى» ولذلك {حَرَّمَ رَبِّيَ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف: 33] وما أحسن إليه المدح من الله تعالى ولذلك مدح نفسه جل جلاله وما أحد أحبّ إليه العذر من الله تعالى لذلك ارسل الرسل، وأنزل الكتب {لكن الله يَشْهَدُ} الآية. اعلم أن الله تعالى شهد على سبعة أشياء على التوحيد، فقال: {شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ} [آل عمران: 18] والثاني على العدل {وكفى بالله شَهِيدًا} {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله} [الفتح: 28، 29] {قُلْ كفى بالله بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا} [العنكبوت: 29] وقال تعالى: {قُلِ الله شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الأنعام: 19] وقال: {فاشهدوا وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ الشاهدين} [آل عمران: 81] والثالث على اعمال العباد فقال: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عملوا} [المجادلة: 6] الآية وقال: {إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا} [يونس: 61] أي تفيضون فيه وقال: {الله والله شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ} [آل عمران: 98]، والرابع على جميع الأشياء فقال: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53] والخامس على كذب المنافقين قال تعالى: {والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1]، والسادس على شريعة المصطفى فقال عز من قائل {قُلِ الله شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الأنعام: 19] أي شهيد على القرآن. اهـ.

.قال الفخر:

في انتصاب قوله: {رُسُلًا} وجوه:
الأول: قال صاحب الكشاف: الأوجه أن ينتصب على المدح.
والثاني: أنه انتصب على البدل من قوله: {وَرُسُلًا} الثالث: أن يكون التقدير: أوحينا إليهم رسلًا فيكون منصوبًا على الحال والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
اعلم أن هذا الكلام أيضًا جواب عن شبهة اليهود، وتقريره أن المقصود من بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن يبشروا الخلق على اشتغالهم بعبودية الله، وأن ينذروهم على الإعراض عن العبودية، فهذا هو المقصود الأصلي من البعثة، فإذا حصل هذا المقصود فقد كمل الغرض وتمّ المطلوب، وهذا المقصود الأصلي حاصل بإنزال الكتاب المشتمل على بيان هذا المطلوب، ومن المعلوم أنه لا يختلف حال هذا المطلوب بأن يكون ذلك الكتاب مكتوبًا في الألواح أو لم يكن، وبأن يكون نازلًا دفعة واحدة أو منجمًا مفرقًا، بل لو قيل: إن إنزال الكتاب منجمًا مفرقًا أقرب إلى المصلحة لكان أولى لأن الكتاب إذا نزل دفعة واحدة كثرت التكاليف وتوجهت بأسرها على المكلفين فيثقل عليهم قبولها، ولهذا السبب أصر قوم موسى عليه السلام على التمرد ولم يقبلوا تلك التكاليف، أما إذا نزل الكتاب منجمًا مفرقًا لم يكن كذلك، بل ينزل التكاليف شيئًا فشيئًا وجزءًا فجزءًا، فحينئذٍ يحصل الانقياد والطاعة من القوم وحاصل هذا الجواب أن المقصود من بعثة الرسل وإنزال الكتب هو الإعذار والإنذار، وهذا المقصود حاصل سواء إنزل الكتاب دفعة واحدة أو لم يكن كذلك، فكان اقتراح اليهود في أنزال الكتاب دفعة واحدة اقتراحًا فاسدًا.
وهذا أيضًا جواب عن تلك الشبهة في غاية الحسن، ثم ختم الآية بقوله: {وَكَانَ الله عَزِيزًا حَكِيمًا} يعني هذا الذي يطلبونه من الرسول أمر هين في القدرة، ولكنكم طلبتموه على سبيل اللجاج وهو تعالى عزيز، وعزته تقتضي أن لا يجاب المتعنت إلى مطلوبه فكذلك حكمته تقتضي هذا الامتناع لعلمه تعالى بأنه لو فعل ذلك لبقوا مصرين على لجاجهم، وذلك لأنه تعالى أعطى موسى عليه السلام هذا التشريف ومع ذلك فقومه بقوا معه على المكابرة والإصرار واللجاج، والله أعلم. اهـ.